قصص عايدوية



أم حسين العايدي

تتحدث عن ظروفهم المعيشية في ظل احتلال منزلهم:

لضمان عدم خروجنا من المنزل سيجوا الباب بالأسلاك الشائكة

يومياً نتعرض لإطلاق النار ولصراخهم الذي لا ينقطع

ليهدموا المنزل فوق رؤوسنا أما أن نتركه فهذا لن يحدث مهما كان الثمن


منزل حسين العايدي منزل فلسطيني على أرض فلسطينية يقع على بعد 2 كم من مفرق الشهداء ، المنزل لا يختلف كثيراً عن آلاف المنازل التي جدّ أصحابها وعملوا لسنوات طوال ليتمكنوا من تشييدها ، وحتى بداية انتفاضة الأقصى كان كل ما بالمنزل فلسطيني بنسبة 100%، ولكن الأحوال تبدلت و جاء جنود الاحتلال طوقوا المنزل واحتلوا طابقه الثالث وسطحه وأقاموا فيه رغم أنف أصحابه الذين عاشوا ولمدة 11 شهراً هي فترة إقامة جنود الاحتلال في منزلهم حياة بؤس وشقاء.

عائلة كاملة تتكون من حسين العايدي وزوجته وأمه وأطفاله الأحد عشر سجنوا داخل شقتهم بالمنزل و حرموا من مغادرته وإن حاولوا فالرصاص والنيران لهم بالمرصاد ... ورغم مغادرة جنود الاحتلال لمنزلهم بشكل جزئي إلا أن ظروف حياتهم لن تتبدل فإطلاق النيران لا ينقطع والمخاطر التي تهدد حياتهم وحياة أطفالهم تتواصل، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فأخوة حسين القاطنين في منازل مجاورة لمنزله تعرضوا بدورهم لممارسات ومضايقات اضطرتهم للمكوث في منازلهم منذ بداية انتفاضة الأقصى وإلى الآن، أما توفير الطعام فهو جريمة تستحق كل من يحاول أن يرتكبها أن تلاحقه الرصاصات التي قد ينجو منها وقد لا ينجو.

أم حسين العايدي اعتادت منذ سبعة شهور على المخاطرة بحياتها والخروج رغم وابل الرصاص والنيران التي تلاحقها كلما اضطرتها حاجة أطفال أبنائها للطعام للخروج من المنزل ما بين الحين والآخر، معها كان لنا هذا الحديث حول حياة فرض عليهم الاحتلال الصهيوني معظم تفاصيلها بكل ما فيها من معاناة ..هم .. وألم.

جرفوا الأراضي المجاورة:

الحاجة أم حسين العايدي في بداية حديثها كلمتنا عن احتلال جنود الاحتلال لمنزلهم منذ بداية انتفاضة الأقصى قبل 11 شهراً ، فقالت "بدءوا بتجريف الأراضي الزراعية والمنازل المجاورة لنا وقد حاولنا أكثر من مرة ولمدة ثلاثة أيام متتالية التصدي لهم ولجرافاتهم وآلياتهم و كنا نخرج من منازلنا لنقف أمام الدبابات ونحول دون تجريفها للأراضي والمنازل لكن ذلك كله لم يمنعهم من تجريف كل ما يحيط بنا، وفي اليوم الرابع حضروا بجيباتهم العسكرية و طرقوا المنزل ثم احتلوا الدور الثالث والسطح ، منعونا من وصول أي منا كما منعونا من أخذ حاجياتنا وأدوات الطهي والطبخ التي نحتفظ بها في الدور الثالث من المنزل".

احتلوا منزلنا:

وتتابع أم حسين "فرضوا علينا الإقامة في الدور الثاني من المنزل أما الثالث فلا يمكننا أن نصله بل ومنعونا من مغادرة الشقة التي نعيش فيها، أغلقوا علينا الأبواب ووقف أحدهم حارساً علينا لمنعنا من الخروج ولضمان عدم خروجنا وضعوا على الباب أسلاكاً شائكة تحول دون دخول أو خروج أي أحد".

تصمت الحاجة قليلاً تنظر بعيداً ثم تقول "حتى أدواتنا ومقتنياتنا التي كنا نحتفظ بها في الدور الثالث لم نتمكن من استعادتها ، طلبناها منهم فرفضوا".

مسجونون في منزلنا:

واصلت الحاجة أم حسين حديثها والألم يعتصر قسمات وجهها، فقالت "بقينا على هذا الحال أربعة شهور مسجونين في منزلنا لا نملك أن نخرج منه ولا يملك أي كائن كان أن يزورنا فيه حتى فتح الباب أو الشباك ممنوع .. كانوا يبادرون فوراً بالصراخ علينا وتهديدنا بإطلاق النار إذا ما فتحنا الباب أو الشباك".

الحصول على الطعام مخاطرة:

"إبني حسين قال لي ماذا سنفعل ، حياتنا انتهت وحياة أطفالنا انتهت ولم يعد لدينا حتى ما يمكننا أن نطعمهم إياه" فاجأتني أم حسين عندما هتفت بهذه الكلمات بينما دموعها تنهمر على وجهها، قالت "لم يكن أمامي إلا أن أخاطر بحياتي وأخرج من المنزل بحثاً عمن يمد لنا يد العون وبالفعل خرجت و أطلقوا النار تجاهي وصرخوا عليّ كثيراً لكنني لم استجب . كانت صور أبنائي وأطفالهم أمامي ولم يكن أمامي خيار آخر سوى التقدم ... توجهت يومها للصليب الأحمر و حكيت لهم حكايتنا ووصفت لهم حياتنا التي لم تعرف الاستقرار منذ أربعة شهور ، وعدوني بمساعدتي وبتوفير المواد الغذائية لنا وبناءً على طلبهم ذهبت لمنزل أحد أبنائي بمدينة غزة و اتصلوا بي عنده بعد أربعة أيام وقالوا لي بأنهم حاولوا أن يصلوا منزلنا بلا فائدة و عرضوا علي أن آخذ المواد الغذائية وأن أحاول أن أعود بها".

دقيق وعدس:

وبانفعال تصف أم حسين كيف نجحت بالتعاون مع جيران ابنها القاطن بمدينة غزة في إيصال المواد الغذائية لمنطقة تبعد عن المنزل حوالي 2 كم شرقاً فتقول "توجهت مع ابني وجيرانه عبر طريق خلفي حتى وصلنا لمنزل يبعد عن منزلنا حوالي 2 كم اتصلنا بابني حسين وأخبرته بمكان وجودنا خاطر بحياته وخرج من منزله وزحف حتى وصلنا ، حمل معي المواد الغذائية وحاولنا التسلل للمنزل إلا أنهم شاهدونا و أمرونا بالتوقف ثم حاصرونا وفتشونا جيداً فلم يجدوا بحوزتنا إلا الدقيق والعدس والفول".

تحركاتنا بحاجة لمفاوضات:

وعن تعرض أفراد العائلة لإطلاق النيران المتكرر تقول الحاجة أم حسين "بعد مرور أربعة شهور على احتلالهم لمنزلنا وبعد منعهم لنا من مغادرة المنزل منعاً تاماً اتفقنا على أن يكون خروجنا بإذن وكنا رغم حصولنا على الإذن بالخروج نتعرض لإطلاق النار ولصراخهم الذي لا ينقطع بمجرد أن يروا أحداً منا، ذهاب الأطفال لمدارسهم كان يحتاج يومياً للمفاوضات عند الذهاب وعند الإياب وكانوا قد وجهوا لابني حسين تهديداً بأنهم سيقتلون أي شخص لا يتوقف عندما يطلقون النيران على مقربة منه ثم عادوا ومنعونا من مغادرة المنزل نهائياً".

صوت الرصاص لا ينقطع:

وعن معاناة ابنيها القاطنين في منزلين يبعدان أمتاراً قليلة عن منزل ابنها حسين قالت "حتى هؤلاء وأطفالهم لم يسلموا و كانوا يطلقون النيران على جدران المنزلين كي يمنعونا من الخروج كما كانوا يواصلون ولفترات طويلة إطلاق النيران حول المنزلين لضمان بقائنا بداخلهما"، وتتابع الحاجة بصوت منخفض لدرجة بدت فيها وكأنها تتحدث إلى نفسها "صوت الرصاص لا ينقطع ليلاً ولا نهاراً ... وهل هذه الحياة التي نحياها في خوف وقلق هي حياة عادية ، حياتنا ليست حياة لقد حولوها لجحيم".

حتى إحضار الطعام ممنوع:

وعن الظروف الخاصة التي عاشها ابنها حسين وعائلته المكونة من 11 طفلاً أكبرهم في الرابعة عشرة من عمره خلال احتلال قوات الاحتلال لمنزله تقول أم حسين "أغلقوا عليهم المنزل ووضعوا حارساً أمامه، منعوهم من الخروج ومنعونا من الدخول إليهم حتى خروجه لإحضار الطعام لأطفاله لم يكن ممكناً". وتتابع "خرجت أنا رغم النيران وفي أكثر من مرة تعرضت للموت لأحضر لهم الطعام ثم انتقلت للعيش عند أبنائي المقيمين بجوار منزل حسين كي أتمكن على الأقل من الخروج لإحضار الطعام رغم أن رصاصهم يلاحقني في كل مرة أخرج فيها".

و حول كيفية تزويدهم لحسين وعائلته بالطعام في ظل منعهم من قبل جنود الاحتلال من مغادرة منزله قالت الحاجة "كنت أحضر الطعام مخاطرة بحياتي وعمري وكنت أضعه لحسين وزوجته في دلو يتدلى بواسطة حبل طويل من منزلهم إلى الأسفل حيث أقف بالقرب من الجدار واضعاً لهم الطعام فيه ثم يسحبوه ليأخذوا ما به"، وتضيف أم حسين قائلة "حتى الملابس كنا نأخذها منهم ونعيدها إليهم بعد غسلها بنفس الطريقة لأن أدوات الغسيل كلها في الدور الثالث الذي احتلوه".

حطموا كل مقتنياتنا:

وعن الدمار الذي خلفوه في المنزل عقب مغادرتهم الجزئية له قالت الحاجة أم حسين "قبل أيام معدودة غادروا سطح المنزل و صعدنا للدور الثالث لتفحصه فلم نجد شيئاً على حاله ، حطموا الآنية الزجاجية وأدوات الطهو و سرقوا الكراسي والأسرة والثلاجة والغاز والفرن و لم نجد بالمنزل شيئاً وما وجدناه كان محطماً لا فائدة منه، أما الآن فلا نجرؤ على وصول الدور الثالث أو السطح لأن خطر رصاصهم ونيرانهم يهددنا ويطالنا إن فعلنا"... وتتابع أم حسين "هم أصلاً لم يغادروا المنزل نهائياً ، كل ليلة تقريباً يدقون علينا الأبواب ويعودوا للصعود للأعلى حيث يمكثون حتى يطلع النهار".

لن نترك منزلنا:

وعن إنشاء الاحتلال لموقع عسكري محاذ لمنزلهم وعما يتعرضون له من مخاطر من جنود هذا الموقع تقول أم حسين "أقاموا موقعاً عسكرياً على بعد 20 متراً فقط من منزلنا ومن هذا الموقع يطلقون علينا النيران ليلاً نهاراً كلما حاول أحدنا الخروج من المنزل ، هذا ناهيك عن تجوالهم وكلابهم طوال الليل بمحاذاة المنزل ليرعبونا ويخيفوا أطفالنا ... يريدون منا أن نظل مسجونين في منزلنا لا نغادره أما هدفهم الحقيقي فهو دفعنا على ترك المنزل ومغادرته تحت وطأة اعتداءاتهم وبطشهم وتعسفهم"، وتضيف أم حسين "لكننا لن نفعل و لن نترك منزلنا مهما كان الثمن ، عليهم أن يهدموه فوق رؤوسنا أما أن نتركه لهم فهذا لن يحدث".

هكذا يحتل جنود الاحتلال الصهيوني منازل المدنيين الفلسطينيين ويفرضون عليهم إقامة جبرية بداخلها محولين حياتهم وحياة أطفالهم لجحيم لا يطاق، وهكذا بات المدنيون الفلسطينيون لا يأمنون على أرواحهم أو على أرواح أبنائهم في ظل احتلال يسعى لحرمانهم من كافة حقوقهم وعلى رأسها حقهم في العيش بشكل طبيعي.

أبناء عائلة العايدي إلى الآن يعانون والمخاطر التي تهدد حياتهم لم تنته بل وتبدو بلا حد وبلا نهاية في ظل انتهاكات وجرائم يصر جنود الاحتلال على مواصلتها، وفي ظل عزيمة وتصميم يحولان دون هجر أبناء العائلة لمنزله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العايدي ....اصل التسمية

عرب العايد في التاريخ

العايدي عن المؤرخ أبو المحاسن الحمداني ولد سنة 602 هـ.